السلام عليكن ورحمة الله وبركاته
إلى الأخت الكريمة صاحبة السؤال عن الذهاب للمآتم للتعزية أو تجمع النساء في بيت للتعزية
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
أولا: لابد أن يعلم أن تعزية المسلم لأخيه المسلم في مصابه وأكبر المصائب الموت هو أمر مشروع وهو سنة وإن كانت عموم الأحاديث الواردة في الأجر الذي يحصل للمعزي أخاه ضعيفة وإنما الدليل علي سنته مثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد عزى بعض أصحابه وهو فعل الصحابة ومن بعدهم إذ كان يعزي بعضهم بعضا
ثانيا : إختلف أهل العلم في حكم الإجتماع من أجل التعزية سواء في دار أو في مكان خصص لذلك وذلك ما لم يصحب الإجتماع منكر من المنكرات مثل قراءة القرآن من المشايخ (سواء بأجر أو بدون أجر) والأسراف في المطعم إلي غير ذلك . فذهب البعض إلي التحريم وقالوا تسن التعزية لأهل الميت قبل الدفن وبعده ولا يجلس لها وحجتهم حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال كنا نعد -وفي رواية -كنا نري الجلوس بعد الدفن وصنع الطعام من النياحة ) قالوا والنياحة من الكبائر والحديث كأنه إجماع من الصحابه أو كأنه إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم المرفوع .
القول الثاني :
وهو الذي عليه جمهور العلماء من حنابلة وشافعية ومالكية وحنفية أنه إذا لم يضاف إليه منكر فلا بأس بالإجتماع للتعزية ولكن لا يصحب ذلك منكر مثل الاختلاط بين الرجال والنساء أو إتخاذ المقرأين بأجرة أو أن يصنع أهل الميت الطعام للمجتمعين فإن ذلك لا يصح بل يصنع لهم الأصحاب أو الجيران الطعام ذلك هو السنة -وأباحوا أن يصنع أهل الميت الطعام لحاجة كمن جاء يعزيهم من قري بعيدة ويبيتون عندهم فلابد أن يطعموهم - نص الإمام أحمد وغيره من العلماء أن في مثل هذه الأحوال يجوز -
قال الشافعي رحمه الله (وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضي فيه من الأثر ) يقصد حديث جرير بن عبد الله (الأم للشافعي (1/ 248)
وخبر جرير بن عبد الله ظاهره يفيد التحريم والمحفوظ عن الفقهاء حمله علي الكراهة مع حكم جمهورهم علي الجلوس للعزاء أنه بدعة .
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها عند البخاري أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن -إلا أهلها وخاصتها- أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت كلن منها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (التلبينة مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن ) قالوا فعلم انه كان معلوما عندهم جواز التعزية عند أهل الميت دون اجتماع علي طعام ولعل هذا الأثر وغيره من أدلة مشروعية التعزية هي التي صرفت أثر جرير بن عبد الله من التحريم الي الكراهة ما لم يصحب الاجتماع للتعزية منكرات أو صنع طعام
وهناك قول ثالث :وهو الاستحباب قال الشيخ ابن باز رحمه الله إذا حضر المسلم وعي أهل الميت فذلك مستحب لما فيه من الجبر لهم والتعليم وإذا شرب عندهم فنجان قهوة أو شاي أو تطيب فلا بأس كعادة الناس مع زوارهم .
والذين قالوا بذلك القول حجتهم الأول قالوا حديث جرير بن عبد الله النياحة المقصودة فيه هي الجمع بين الأمرين الإجتماع مع أن يصنع أهل الميت الطعام ويدعون الناس عليه وهو نوع مفاخرة ومباهاة وذلك ما كان عليه أمر الجاهلية أما إجتماع وحده دون أن يصنع أهل الميت الطعام ودون منكر آخر فلا بأس
الثاني : قالوا قال ابن القيم وغيره لا يشرع الاجتماع للتعزية بل المشروع التفرق، يدفن الميت ويتفرق الناس لشؤنهم وكذلك أهل الميت لشأنهم . قالوا هذا صحيح في الزمن الماضي وفي القري الصغيرة التي يمكن أن يعزي فيها أهل الميت دون مشقة وعناء فهم إما في السوق أو في المسجد مثلا أما في هذه الأزمان واتساع البلدان قد يشق علي الناس جدا الوصول لأهل الميت فكان لابد من تحديد يوم يقعد فيه أهل الميت في الدار أو في مكان ليعزيهم الناس شرط آلا يصحب ذلك منكر كما بينا قالوا والتعليم سنة والوسائل لها أحكام المقاصد .
والراجح من كل ذلك أن التعزية تسن لأهل الميت كبارهم وصغارهم تسلية لهم عن مصابه وإعانة لهم علي الصبر وتحمل ما نزل بهم ولكن يكره الجلوس لها والإجتماع لها يوما أو أيام لأن ذلك لم يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خلفائه الراشدين وذلك فتوي اللجنة الدائمة برئاسة ابن باز رحمه الله ومن سمع حديث جرير بن عبد الله البجلي رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حجر والألباني يجب أن يحذر ويخشى
أما علي سؤال الأخت فإن مواساة اختك المسلمة أنت وغيرك دون قصد إجتماع أو جلوس ولكن لعزائها وصنع بعض الطعام ولا تطيلي المكث عندها فأرجو أن يكون لا بأس به